یبدو أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران والمزمع عقدها في عام ٢٠١٣ ستؤدي إلى تعميق الانقسامات في صفوف المعارضة الايرانية؛ بينما بدأت أطراف من المعارضة التداول حول المشاركة في الانتخابات، يرفض بعضها مبدأ المشاركة فيها ،على سبيل المثال قال سعيد حجاريان، وهو أحد المنظرين للمعارضين في الداخل إن الانتخابات هي "فرصة للتنظيم والعمل" وفي الوقت نفسه رأى الصحفي والناشط البارز مرتضى كاظميان أنها ستشمل منتسبي النظام فقط ولن تسمح السلطة لأي من القوى الديمقراطية المشاركة فيها.
المناقشات حول الفرص والقيود المتعلقة بإنتخابات عام ٢٠١٣ تعكس أيضا الإنقسام الكبير بين المعارضين حول الإستراتيجيات ومستقبل النظام السياسي والديمقراطي في البلد. فی الواقع موضوع المشاركة أو المقاطعة هو معضلة مشتركة لغالبية المعارضين للأنظمة الاستبدادية التي تفرض إنتخابات غير حرة و غيرعادلة لإضفاء الشرعية على حكمها. كما تستخدم هذه الأنظمة أحياناً الانتخابات كأسلوب لتجزئة المعارضة والقضاء عليها وروسيا وماليزيا وغانا تشكل أمثلة لهذه الأنظمة التي يطلق عليها "الاستبدادية التنافسية".
رافقت الانتخابات الرئاسية في إيران على مدى العقدين الماضيين ضغوطات على التحالفات القائمة كما شكلت فرصاً لإيجاد تحالفات جديدة بين القوى السياسية المنتمية للنظام وكذلك للمعارضين. إنشق في انتخابات عام ١٩٩٧ "اليمين الجديد" الذي يمثله الرئيس السابق أكبر رفسنجاني ورجاله عن "اليمين التقليدي" وأقام تحالفاً مع اليسار منذ ذلك الوقت و دعم ترشيح محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية السابقة. وبعد فوز خاتمي الذي طرح خلال حملته الإنتخابية شعار المجتمع المدني وسيادة القانون والحرية وتلبية مطالب الشعب وخاصة طموح الطبقة الوسطى الناشئة وأعلن كذلك دعمه للشباب والنساء، بدأت مرحلة جديدة أطلق عليها "حركة الإصلاح".
وتفكك هذا التحالف الكبير في عام ٢٠٠٥ كما أن الإصلاحيين قدموا ثلاثة مرشحين للانتخابات وشكلت الحركة الطلابية ركناً مهماً لدعم ترشيح خاتمي في عام ١٩٩٧ .وتفكك التحالف آنذاك لأن المتشددين في النظام الإيراني قاموا بعمليات تصعيد وقمع طالت عدداً كبيراً من الاصلاحيين. أما في عام ٢٠٠٠ فقد دعت الفصائل المختلفة الإصلاحية الى وضع استراتيجيات مختلفة للتعامل مع المتشددين.
ذكر العديد من المحللين والصحفيين الإصلاحيين أنه إذا كانت الفصائل الإصلاحية قد حافظت على تحالفها واتفقت على اثنين من المرشحين لكان قد تفوق مرشحوها على أحمدي نجاد مع فارق أقل من مليون صوت. وفي عام ٢٠٠٩ لم تكن الهوة حول المشاركة أو المقاطعة عميقة كما كانت في عام ٢٠٠٥ ، لأن السنوات الكارثية الأربع من رئاسة نجاد قد شكلت قناعات كافية لدى القوى السياسية المختلفة حول ضرورة وصول ممثل لهذه القوى إلى مبنى الرئاسة. وكان للمعارضة مرشحان لكنها لم تشكك في استراتيجية المشاركة في الانتخابات.
أما فرص المنافسة وتعامل المتشددين المهيمنين على مفاصل الحكم فسيحددان أطر الانتخابات وأثرها على التحالفات الإصلاحية الأخيرة. إذ كما هو متوقع سيشجع مرشد الجمهورية الإسلامية ويسمح بمشاركة بعض الإصلاحيين السابقين مثل محمد رضا عارف، نائب الرئيس خاتمي ۲۰۰۱-۲۰۰۵ حيث لم يؤيد الحركة الخضراء ولكن رغم هذا يعمل حكام النظام على إيجاد تحديات كبيرة أمام الإصلاحيين ونشطاء الحركة الخضراء وهذه الإستراتيجية تؤدي من جانبها إلى إحداث انشقاق بين المعارضة و تعمل لبلورة الانقسامات السابقة في المعارضة و المتمثلة بالمقاطعة أو المشاركة كما حصل في الانتخابات الأخيرة.
وبناء على ذلك يعمل قادة الإصلاحيين مثل الرئيس السابق محمد خاتمي على تقييم استراتيجية المتشددين في الانتخابات ، كما ذكر خاتمي في أحد لقاءاته العامة بأنه يجب أن نعمل لإيجاد مناخ سياسي مناسب من اجل اقامة انتخابات شعبية.
الأخبار غيرالرسمية الواردة من المنتديات والإجتماعات للأعضاء الأصغر سناً وأكثر تطرفاً في المعارضة وخاصة أولئك الذين ينضوون تحت راية الحركة الخضراء تشير إلى أنهم ليسوا متحمسين للمشاركة في الانتخابات. ويدعو بعضهم كحد أدنى إلى الإفراج عن موسوي وكروبي قبل النظر في خوض الإنتخابات. ويرى بعضهم أن عميلة التزوير والإحتيال والقمع الذي تلى انتخابات ٢٠٠٩ لم تترك مجالاً للمشاركة في أي انتخابات حيث أن المشاركة ستضر بالحركة الشعبية. ووفقاً لذلك انتقد موقع "جرس" وهو أحد المواقع الرئيسية للحركة الخضراء، الدعوة للمشاركة في الانتخابات " الشكلية " في عام ٢٠١٣ و وصف تلك الدعوات بأنها تتناقض مع طبيعة الحركة الخضراء التي تكافح لإقامة انتخابات حقيقية .هذا النقاش الداخلي يكشف أحد الاختلافات الاستراتيجية الكبيرة بين الإصلاحيين ١٩٩٧-٢٠٠٥ و الحركة الخضراء التي ظهرت بعد إنتخابات ٢٠٠٩.
رغم أن الإصلاحيين كانو متشائمين بالنسبة لحشد الجماهير وفضلوا العمل من خلال المؤسسات السياسية القائمة ، كانت الحركة الخضراء ترى بأن الحشد الجماهيري سيكون أفضل وسيلة لدفع التطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني. القدرات المدهشة للحركة الخضراء في جلب مئات الآلاف من الناس إلى شوارع طهران طغت على الاستراتيجيات الإصلاحية السابقة وأدت إلى تهميشها لفترة من الزمن. ومع ذلك نجحت السلطة في قمع الحركة الخضراء كما مهد إنخفاض نشاطها منذ عام ٢٠١٠ إلى إمكانية العودة إلى الاستراتيجيات الإصلاحية المهمشة التي تركز على العمل من خلال المؤسسة السياسة الحالية.
يبدو أن القادة الإصلاحيين باتوا يدركون مدى أضرار الانقسام بين أطياف المعارضة، وعلى هذا الأساس رفض عبد الله نوري، وهو من أبرز قادة الاصلاحيين الفصل بين الحركة الإصلاحية والحركة الخضراء، واقترح تشكيل مؤسسة تمثل جميع الإتجاهات المختلفة داخل المخيم الإصلاحي. وكان نوري وزيراً للداخلية في حكومة خاتمي قبل إقالته من منصبه خلال استجوابه في البرلمان المحافظ آنذاك. وسجن في وقت لاحق بسبب الإنتقادات اللاذعة التي نشرها في صحيفته وهذه الخلفية السياسية لنوري تمكنه من استقطاب الأعضاء الراديكاليين في الحركة الخضراء.
تشير النسبة العالية لمشاركة الناخبين في إنتخابات عام ٢٠٠٩، وبلغت نسبتها وفقاً للتقارير الرسمية إلى ٨٥ ٪، تشير إلى تراكم المطالب التي لم تتحقق في المجتمع الإيراني وتتعلق معظمها بالحريات السياسية والاجتماعية و التطورالاقتصادي. أما القمع السياسي الذي أخذ منذ عام ٢٠٠٩ منحى تصاعدياً إلى جانب العقوبات الإقتصادية، وإرتفاع معدلات التضخم أدى إلى تراكم المطالب الشعبية، وفي المقابل تشكل هذه التوجهات تحدياً خطيراً للنظام، أما المعارضة فتحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة إستراتيجية وخطاب مناسب لتمثل مطالب المجتمع الإيراني والمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها يشكلان جزءا أساسياً من هذه الاستراتيجية التي تناقشها في الأشهر المقبلة ومع ذلك تحتاج المعارضة لتنفيذ أي استراتيجية - سواء المقاطعة أو المشاركة – تحتاج أولاً الى الحفاظ على خطوط موحدة و متماسكة.
[للنسخة الإنجليزية من المقال يمكن الضغط هنا]
[أشكر صديقي ايليا جزائري لمساعدته في تحریر هذه الترجمة.]